الشيخ عبدالله البيتوشي





الشيخ عبد الله الكوردي البيتوشي زهير المعروف يعد الشيخ عبد الله بن الشيخ احمد بن اسماعيل بن ابراهيم الشافعي الكوردي احد اركان العلم والادب ولد في قرية بيتوش التابعة لناحيته الان التي تبعد خمسين ميلا عن مدينة السليمانية الجميلة وتمتاز هذه القرية الكوردية بجمالها الفتان وانهارها الجارية والعيون العذبة والبساتين الغناء العامرة باشجار اللوز والجوز والاجاص والسفرجل والرمان وغيرها واشجار الغابات وطبيعتها الخلابة ونسائمها العليلة ينحدر البيتوشي من بيت علم ودين اذ كان والده الشيخ محمد يدير مدرسة رصينة وشهيرة تخرج على يديه علماء كثيرون تميزوا بالنباهة والذكاء الحاد ويذكر ان شقيقه الاكبر الشيخ محمود البيتوشي قد حفظ عن ظهر قلب كتاب (تحفة المحتاج في شرح المنهاج) لابن حجر الهيثمي كما حفظ صاحب الترجمة الشيخ عبد الله البيتوشي (قاموس المحيط) للفيروز ابادي وعندما عزما السفر الى بغداد مدينة العلم والعلماء لم يكن لديهما مال يوصلهما لمبتغاهما فقام كل منهما بحفظ الكتاب الذي يعشقه ليبيعه ويسافر بثمنه الى بغداد ثم اتصلا هناك باستاذهما الفاضل صبغة الله الحيدري وبعدها يمما صوب الاحساء عام 1171 للهجرة.
ولايعرف الباحثون والمؤرخون تاريخ ولادة البيتوشي الا ان الارجح كما يقول الشيخ محمد الخال استنادا الى بعض الوقائع التاريخية بان ولادته كانت بين سنتي 1130 و1140هـ وفي السنة الخامسة عشرة من عمره فقد البيتوشي اباه فرحل بمعية اخيه الاكبر الشيخ محمود الى قرية (سيخوي) ليلتحقا بمدرسة الملا الشهير بـ(ابن الحاج) التابعة لقضاء (سردشت) فلازم مجلس الملا سنين عديدة تضلع خلالها في علوم العربية واصولها وفروعها ثم انتقل الى قرية (ماوران) في اربيل ودرس على يد العلامة الشيخ صبغة الله الحيدري فاخذ عنه العلوم العقلية والنقلية ويقول القاضي الشيخ محمد الخال ان البيتوشي نهل العلوم الاسلامية من اكابر علماء كوردستان فضلا عن نهله العلوم من علماء بغداد وفارس اذ كانت يومها تعج بالعلماء الفطاحل وبعد ان اكمل علومه الدينية والادبية وعلوم التاريخ والانساب وعلم المنطق والكلام سافر مع شقيقه الى الاحساء فعين حاكمها الشيخ عرعر الشيخ محمود شقيق الشيخ عبد الله البيتوشي مدرسا في احدى مدارس المنطقة وامر بتعين الشيخ عبد الله مدرسا بمدرسة مغايرة وبقي الاثنان في سلك التدريس لحين اتصال الشيخ عبد الله بالشيخ احمد الخزرجي الاحسائي الذي صار فيما بعد حاكما على الاحساء فالف له البيتوشي منظومته الشهيرة (الكفاية) فتوطدت بينهما بعد ذلك علاقة وصداقة واخوة متية. كان البيتوشي يلقب نفسه بالدرويش لكثرة زهده وتقشفه ففي احد اشعاره يقول:
اتظن يادرويش سيد قومه
الماء يطفئ كل نار توقد
ان الهوى شربت حرف مدامه
يبدي الخوارق والخلائق تشهد
سطع عاليا نجم البيتوشي بعد ان نظم الكفاية فاقبل عليه حاكم الاحساء وابتسمت له الدنيا وتغير حاله بفضل رعايته الى احسن حال فاصبح محط انظار الوجهاء والادباء فلقي منهم الحظوة والرعاية وقد ذكر ذلك في رسالته الى الشيخ عبيد الله الحيدري التي اشتهرت باسم الرسالة العرافية جاء فيه (وحال التاريخ في الاحساء ان اتقلب في روض من العيش اربض واتبختر في برد من العافية طويل عريض بين سادة سمحاء يكرمون و لايمكرون ويطمعون ولاطعمون ويبهرون ولا يرهبون الى اخر الرسالة) وبالرغم من ان حاكم الاحساء كان سيدا مطاعا وحاكما معطاء كان شاعرا ماهرا وادبيا بارعا يكرم اهل الشعر والعلم والادب فكان البيتوشي يتفيأ بظلال عزه وكرمه لمكانته العلمية والادبية فكان الحاكم يقدره ويمده بالعطاء الجزيل. وكان بين الحاكم و البيتوشي مساجلات ادبية وتبادل الاشعار الرقيقة التي تعكس عمق الاتصال الروحي بينهما.
وفي موقف طريف يروي البيتوشي نفاد قهوته ويشكو حاله بسبب عدم توفرها عنده فيقول:
لي شهر ان لم يكن شهرين
منذ فارقت لذة الفنجان
ساء خلقي من بعد ولقد كنت
كما كنت ذا سجايا حسان
ولقد ضاق بي مكاني حتى
ضاق صدري عن احتمال جناني
فيرد عليه الحاكم الاديب بابيات تفيض رقة وعذوبة ويهنئه فيها بشرب القهوة بقوله:
اشرب الكأس دائما بالتهاني
امن المدم ما جرى اللوان
واصطبح قهوة كحمرة صبح
بعد هزم الكرى قبيل الاذان
بنت بن لا بنت كرم حرام
لم تذلل بعصرها في الدنان
اسهر العين وابتلاني بقيد
منع الرجل ان تسير لشاني ويمتدح شمس المعارف المشرقة في الافاق شيخ مشايخ العراق السيد المكرم عبيد الله بن صبغة الله الحيدري الماوراني الكوردي وقرية ماوران تتبع الى مصيف شقلاوة بكوردستان العراق والابيات الاتية مدح للعلامة الحيدري باسلوب الجناس:
كل حرفي فضله عبد رق
لموال تديروا ماورانا
واقروا لهم سوى من هواه
ترك القلب منه اعمى ماورانا
كم شفوا بالعلوم منا صدورا
كان فيها من جهلنا ماورانا سئلوا هل وراءكم من مرام لمريد؟ فقيل لا ماورانا فكلمة (ماورانا) جناس له معان مختلفة في الابيات الاربعة ففي البيت الاول تعني قرية العلامة الحيدري والثاني تعني الرؤية والثالث تعني اشعلنا والرابع تعني خلفنا.
وقد عشق البيتوشي بلده العراق وبغداد وكان كثير الحنين اليها وقد ذكر ذلك في قصيدته الاتية:
اني احن الى العراق ولم اكن
لا من رصافته ولامن كرخه
لكن في بغداد لي من قرية
اشهى الي من الشباب وشرخه
بأبي الذي شوق له شوق السقيم
الى الشفاء او الظليم لفرخه
اوشوق اعرابية حنت الى
اطلال نجد فارقته ومرخه قلبي
اسير عنده وقف فقل
ان لم يحل اساره فليرخه
ومن رسائله الادبية تلك التي كتبها في البصرة سنة 1190هـ الى سليمان بك بن عبد الله بك الشاوي الحميري في بغداد بعدما هاجم صادق خان الزندي مدينة البصرة اوائل عام 1189م وطوقها وفرض حصارا عليها قرابة ستة عشر شهرا كان خلالها العلامة مطوقا فكتب رسالته هذه وارفقها بقصيدة طويلة يحرض فيها حاكم البصرة سليمان بك لمهاجمة صادق خان الزندي وطرده والانتقام منه وتخليص البصرة من شره وقد عثر العلامة الشيخ محمد الخال رحمه الله على هذه الرسالة في مجموعة خطية موجودة بمكتبة المرحوم الملا محمد جلي زاده المشهور بـ(دمه لاي كه وره) ونص الرسالة ماياتي:
)وبعد ياسيدي بينما نحن نلجأ الى الله تعالى في ظلم الاسحار فنتضرع اناء الليل واطراف النهار نستدعي منه ان يردكم الى الوطن رد الروح الى البدن ويحيي بكم العراق الذي افناه فيكم الفراق وبلغت روحه بعدكم الى التراق لاسيما لكشف ما نحن فيه من المصيبة التي طم سيلها وعم ويلها وانسحب على الخاصة والعامة ذيلها اعني محاصرة البصرة التي استعرت نارها وانتشر شرارها وطارت اخبارها حتى تناقلتها الركبان الى اقاحي البلدان وصمت من سماعها الاذان...) والرسالة طويلة.
وذكر فضل ومكانة الشيخ البيتوشي الكثيرون من العلماء ففي كتاب (سبائك العسجد في اخبار احمد) للشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري يصف فيه عبد الله البيتوشي بقوله: ان الشيخ عبدالله الكوردي فاق بشعره الكندي احد الادباء الكرام والاقطاب الدائرة عليه رحى النظام والبحر الذي لاتنتهي عجائبه ولا تقاوم بالافكار غواربه كما نظم قصيدته الحقة بالرسالة وذكر فيه مكانة الشيخ عبد الله البيتوشي الكوردي بقوله:
اذا نشرت يوما مطاوي نظامه
بمجلس اداب قضي انه الكندي
يلفظ شاي نظم الجمان طلاوة
ولكنه في الفكر احلى من الشهد
هو الشعر عقدا نظمته يد الزكا
وشعر الفتى الكوردي واسطة العقد
اذ اخذ الكوردي في نعت رهيف
اراك الهوى العذر يصبو الى الكورد
ملاحظة: افادني بهذه المعلومات القيمة مشكورا عن العلامة البيتوشي الاستاذ الاديب الفاضل حسين الجاف مدير عام الدراسات الكوردية فجزاه الله عني خير الجزاء.

التآخي



من اعلام العلماء والمشايخ الكورد العلامة الشيخ عبد الله البيتوشي الكوردي 1
فاضل عباس الجاف
 في الشهر العاشر 1985 اثناء زيارتي الى احد اصدقاء الطفولة في احدى مكتبات شارع المتنبي ببغداد اذ كان هو صاحبها اثناء جلوسنا دخل احد الاشخاص يسأل عن كتب للعلامة البيتوشي الكوردي وعن كتب اخرى للمشايخ الكورد الاخرين وباللغة العربية ان كانت متوفرة في المكتبة.. سأله صديقي عن اي كتب تريد بالتحديد قال: كل كتب الشيخ البيتوشي ان وجدت قال له: ان كتب العلامة البيتوشي نادرة الوجود في المكتبات الا بعضها واخرج من جيبه ورقة ونظر فيها وقال: وخاصة كتاب البيتوشي للشيخ محمد الخال وبعد جلوسه معنا اخبرنا بانه مغربي الجنسية ومن خريجي الدراسات الاسلامية فضلا عن كونه كاتباً واديباً جاء الى بغداد ضمن وفد مغربي حكومي وقال انه معجب بالشيخ البيتوشي الكوردي والمشايخ الكورد الاخرين وقد تعرفت على شخصية البيتوشي من خلال احد المشايخ الاعلام وانا من مريديه في بلدنا مراكش والذي قال عنه شيخنا ان البيتوشي مفخرة الكورد الى شعبه الكوردي والى العالمين العربي والاسلامي انه سيبويه الثاني واوصاني عند ذهابي الى بغداد باقتناء كتبه ليستفاد منها العباد في بلدنا لكون شيخنا المغربي لديه مكتبة عامرة تضم امهات الكتب من جميع بلدان العالمين العربي والاسلامي اطلق عليها اسم البيتوشي الكوردي حباً لهذا العالم الجليل.. قال له صديقي اعرفك باحد ابناء قومية الشيخ الجليل البيتوشي وهو من القومية الكوردية ومن اصول منطقته وهي مدينة السليمانية مدينة العلم والعلماء والمثقفين.. رحبت بالضيف مرة اخرى وشرحت له موجزاً عن القومية الكوردية وعن ارضهم كوردستان وكيف دخلوا الاسلام طوعاً وحباً بهذا الدين الحنيف وكيف خرج من هذه الامة ومن شعبها الكوردي ومن مدنها وجوامعها ومدارسها وتكاياها الالاف من العلماء والمشايخ والمثقفين الكورد الذين ملأوا الدنيا الواسعة بعلومهم الشرعية والافتائية المعتدلة والادبية ومن القيادات العسكرية والشواهد تؤيد ذلك وان الصحابي الجليل جاوان  الكوردي ابا ميمون كان اول من دخل الاسلام من الكورد ومن بعده انتشر الدين الجديد في بلاد كوردستان والذي خرج منها القائد الكوردي الناصر صلاح الدين  الايوبي بطل الاسلام وفتوحاته المعروفة للكل وساذكر لك بعضاً من اسماء مشايخنا  الاعلام والمشهود بهم بعلمهم الواسع.. وكيف تبوأوا القضاء والافتاء ومنهم في العصر الحديث: العلامة الشيخ عبد الكريم بياره (المدرس) مفتي الديار العراقية والملقب بالشافعي الثاني والموجود في الحضرة القادرية المقدسة نسبة الى الشيخ عبد القادر الكيلاني (قدس سره) والمدرس صاحب المؤلفات التي لا تعد والمؤلفة بعدة لغات ومنها العربية والكوردية والفارسية ومنها: (مواهب الرحمن في تفسير القرآن) في ثمانية مجلدات  ومؤلفات اخرى.. والعلامة الشيخ عبد الحميد الاتروشي قاضي بغداد الاول والعلامة الشيخ امجد الزهاوي مفتي الديار العراقية والعلامة الشيخ محمد سعيد الزهاوي مفتي الديار العراقية والعلامة الشيخ محمد فيضي الزهاوي شيخ الاسلام ومولانا الشيخ خالد النقشبندي الكوردي ذو الجناحين مجدد الطريقة النقشبندية بالعالمين العربي والاسلامي ومولانا  الشيخ العالم معروف النودهي الكوردي شيخ مشايخ الطريقة القادرية والعلامة الشيخ عمر الشهرزوري الكوردي امام المسجد النبوي الشريف لاكثر من اربعين عاماً.. وغيرهم من علمائنا الافاضل.. قال الضيف انكم امة حافظت على ما امنت به وان علماءكم ومشايخكم كما قال شيخي القادري هم زبدة العلماء العرب والمسلمين.
*ارجو من كافة الجهات ذات الاختصاص في حكومة اقليم كوردستان ان تأخذ المبادرة بتعريف علمائنا ومشايخنا ورموزنا الوطنية والادبية والذين هم من اصول كوردية الذين رفعوا رؤوسنا عالياً امام العالم في جميع الحقب التاريخية ان تعيد ما كتبوه ونشروه ليطلع عليها الدارسون ومحبوه شعبنا في الدول الاخرى وخاصة العربية والاسلامية واطلاق اسمائهم على الشوارع وعلى اسماء المدارس- لكون التاريخ قد حفظ لنا المكانة العلمية لما حققوه لامتهم الكوردية وللعالمين العربي والاسلامي وللانسانية وبما قدموه من عطاء وفير وما يظهرونه من حسن التدبير في جميع  مجالات الحياة تستحق منا كل التقدير والعرفان لما بذروه من علوم وآداب وثقافة حيث اسهموا في بناء الثقافة المعرفية على الصعيد الديني المعتدل والفكري والسياسي والعسكري عبر مختلف الحقب التاريخية. *كانت حواضر مصر وبلاد نجد والحجاز والشام الملاذ الآمن للشعب الكوردي على مر العصور والدهور حيث كانت تلك الحواضر مهداً للحضارة العربية والاسلامية.. والشعب الكوردي شقيق تاريخي للشعب العربي وجذورهم عميقة عمق التاريخ وازدهرت اكثر خلال الفترات الماضية ومازالت.
**في مقالي هذا ترجمة لحياة احد ابناء الامة الكوردية الذي يعد من ابرز العلماء والمشايخ الكورد انه العلامة الشيخ عبد الله البيتوشي الكوردي الذي يعد نموذجاً حياً في سلوكه ونموذجاً للدعوة والارشاد والرسالة الثقافية ومنها الشعر بما قدمه من عطاء وفير وما اظهره من حسن تدبير في جميع  مجالات العلوم الشرعية والادبية فقد خلف لنا الفقيد تراثاً علمياً ثراً انتفع به ابناء جلدته الكورد والعالمين العربي والاسلامي سيكون ذلك العمل باذن الله شفيعاً له يوم الدين.. كان للشيخ البيتوشي الدور الكبير في حياة المسلمين لاسيما التربوي منها حيث ورث علمه من علماء ومشايخ كورد كبار لم يعرفوا الا المجد والمفاخر في عصرهم من علوم متنوعة.. لقد احب البيتوشي لغة القرآن الكريم اذ ملكت قلبه بما فيه من جمال الاسلوب وروعة التعبير ودقة التصوير فاثرى الادب الكوردي الى جانب اثراء الثقافة العربية الاسلامية لكونه من عشاق اللغتين الكوردية والعربية فاذاعت شهرته نحو الافاق ولم يقعده الترحال والاغتراب ولم يثن عليه الكبر.. كانت علاقته بالناس دليل محبتهم له وكانوا يلجأون اليه لحل مشكلاتهم ويثقون كل الثقة بحكمه ورأيه لانه كان من النفر القليل ممن كانت حياته كلها لله وارشاد العباد.
 *والبيتوشي هو: ابو محمد عبد الله بن الشيخ محمد بن الشيخ اسماعيل بن ابراهيم بن عز الدين الشافعي الكوردي البيتوشي.. ولد في قرية بيتوشي ما بين العامين (1138هـ-1140هـ) كما حددها العلامة الشيخ محمد الخال مؤلف كتاب البيتوشي.. وبيتوشي القرية الكوردية الواقعة على نهر الزاب شمال مدينة السليمانية بكوردستان العراق تلك القرية الجبلية الاخاذة بجمال طبيعتها ومناظرها الخلابة وكثرة ينابيعها التي تحفها الاشجار باطيب الاعناب.. نشأ البيتوشي وتلقى علومه الاولية في قريته وكان والده هو من درسه وعلمه القراءة والكتابة وحفظه القرآن الكريم وشيئاً من النحو والصرف ومقدمات العلوم ثم التحق بمدرسة الملا محمد حسن الشهير بابن الحاج وهو من اهالي قرية (سنجوي) والساكن في قرية (هزار ميرد) الكوردية صاحب المؤلفات الكثيرة ومنها: (كتاب رفع الخفا عن ذات الشفا) وهو كتاب للسيرة النبوية الشريفة ويقع في خمسمائة صفحة..




العلامة الشيخ عبد الله البيتوشي الكوردي 2
فاضل عباس الجاف
الأحد 16-02-2014
 كذلك درس البيتوشي وشد الرحال الى قرية (ماوران) احدى قرى مدينة اربيل ليدرس على يد شيخ مشايخ عصره  العلامة صبغة الله الحيدري الذي استقر بعد ذلك في مدينة بغداد دار السلام واصبح فيها شيخ الاسلام.. سافر البيتوشي مع شقيقه الاكبر الشيخ محمود الى بغداد ليدرس على يد العلامة السيد عبد الله بن السيد صبغة الحيدري شيخ الاسلام الذي كان مقيماً في بغداد.. من الاشياء التي تذكر تباغت الشقيقين عندما قررا الرحيل الى بغداد وشرعا بذلك لم يكن معهما مالاً يكفي لهذه الرحلة سوى  ما كان يحمله الشيخ محمود وهي مخطوطة: (تحفة المحتاج في شرع المنهاج) لابن حجر الهيثمي اما الشيخ عبد الله فكان يحمل معه قاموس (المحيط للفيروز ابادي) اذ كانا يحفظان عن ظهر قلب لمحتويات الكتابين بالتمام حيث باعا الكتابين لكي يصلان بغداد.. بعدها سافر البيتوشي الى مدينة البصرة واستقر فيها بعض الوقت مدرساً في المدرسة الرحمانية.. في العام 1189هـ قام صادق خان بمحاصرة مدينة البصرة لمدة ستة عشر شهراً.. وكان البيتوشي ومن واجبه الوطني بما رأى من ظلم وتعسف من هذا الحصار الجائر والظالم تجاه اخوانه اهل البصرة فضلا عن ما كان يعانيه شعبه الكوردي من ظلم وتعسف فتصدى لذلك المعتدي الجائر ولفك الحصار عنهم اذ حث اهالي البصرة في جوامعها واسواقها للتصدي له وبعث برسالة الى صديقه الوجيه البصري سليمان بك بن عبد الله بك الشاوي والذي كان متواجداً في بغداد طالباً منه ومن رجاله مهاجمة صادق خان وطرده من البصرة وفك الحصار عنها وقفة رجل واحد.. كانت الرسالة في غاية الوطنية العراقية التي توحدهم كورداً وعرباً من مواطن كوردي يحب شعبه الى اخوانه في البصرة فجاءت الرسالة في غاية الروعة الادبية وجمال الصنعة.. بعد اندحار القوات المعتدية وفك الحصار.. شد البيتوشي الرحال مع شقيقه الشيخ محمود الى بلاد الاحساء وهي من مدن المملكة العربية السعودية حالياً اذ اصبح فيها البيتوشي مدرساً وعالماً وشاعراً وصديقاً لحاكمها الامير احمد بن الشيخ عبد الله الخزرجي الحسائي اذ كان صديقا صدوقاً للبيتوشي منذ زمن بعيد وهو من طلب منهم المجيء الى دياره اذ كان الامير اديباً شاعراً فاستقر البيتوشي به المقام هناك وحظي بمنزلة تليق به في مجتمع الاحساء واميرها واستطاع ان يوثق عرى الصداقة مع وجهاء الاحساء وعلمائها.. وكان الامير الخزرجي قد خص البيتوشي برعاية ما بعدها رعاية يتفيأ فيها بظل عزه وكرمه ويقدره  حق قدره وكيف لا والامير كان محبا للادباء والشعراء فهو كان اديبا وشاعراً فانزلهم منزلة سامية.. يقول عنها البيتوشي في رسالة الى احبابه في العراق: اتقلب في روض من العيش اريض واتبختر في برد من العافية طويل عريض بين سادة سمحاء يكرمون ولا يمكرون ويطعمون ولا يطمعون.. ويبهرون ولا يرهبون.. ويبتكرون ولا يرتكبون.. لا تمل مناجاتهم ولا تخشى مداجاتهم.. الى اخلاق في رقة النسيم ومحاورات في عذبة النسيم.. الى اخر الرسالة. 
*اثناء اقامة البيتوشي هناك تزوج من ابنة قاضي قضاة الاحساءالشيخ عبد القادر الخزرجي الحسائي وانجبت له زوجته بنات.. وبعد ان استقر اعاد شقيقه الشيخ محمود الى وطنه كوردستان والى قريته بيتوشي مدرساً فيها. *احب البيتوشي شعبه الكوردي وموطنه كوردستان وهو في غربته ذاكراً ذلك في اشعاره ورسائله ولم تنقطع صلته بهم.. فضلا عن حبه الى العراق وبغداد والبصرة.. اذ كان قد بعث برسالة من الاحساء الى استاذه العلامة السيد عبد الله بن صبغة الله الحيدري يحمل فيها حبه لشبعه وشوقه الى بغداد وتلك الرسالة ذاع صيتها بين الاداب انذاك وسميت (بالرسالة العراقية) يعترف بها البيتوشي بانه ليس من بغداد .. ولكن.. احبها حباً جماً.. اضافة الى صلته باهله واصدقائه من ادباء وعلماء ومشايخ ومراسلتهم تشهد له بصلته الادبية والعلمية معهم.. قد يسأل سائل هل كان البيتوشي يحن الى اهله ووطنه؟ .. وهل الغربة اثرت عليه؟.. وهو في قمة العز والنعيم والحظوة التي يتمتع بها هناك؟ كما يقول هو كما اسلفت سابقاً.. يقول البيتوشي في جزء من تلك الرسالة:( لكن لا عتب على نازح صدع قلبه تذكر اوطانه، صدع الزجاج واخل منه طول حنينه الى اخوانه، ففي دماغي من السوداء التي أسوأ داء، ماء لو صب في الفرات لانقلب نيلاً، او حمل به رأس غيري لا ندق عنقه ولو كان فيلاً).. ويقول عن اهله وقريته بيتوشي في قصيدة نجتزي بعضاً منها:
 الا حي بيتوشا واكفافها التي  
         يكاد يروي الصاديات سرابها 
مرابع يزري بالعبير رغامها  
        وتهزا بالظبي النفور كعابها 
بلاد بها حل الشهاب تمائمي  
        واول ارض من جلدي ترابها 
لقد كان لي منها عرين وكان من  
        مقامي لها سحب سكوب ربابها  
ولم تنب بي ان ينب يوماً باهله 
       مكان ولم ينعق علي غرابها 
ولكن دعاني لاغترابي معشر 
      غياث اذا الاهوال ماج عبابها 
فهاجرتها هجر الحسام قرابة  
      على رغمها تبكي على هضابها 
فللقلب من شوقي اليها انصداعه  
       وللعين من نوحي عليها انسكابها
*زار البيتوشي اهله في كوردستان بعد ان استقر في الاحساء ثلاث مرات حتى وفاته هناك وتجول في مدنها وزار استاذه الاول الملا ابن الحاج في قرية (هزار ميرد) وكتب له تقريظاً بالنثر والنظم لرسالة استاذه ابن الحاج (ايقاد الضرام على من يوقع طلاق العوام) .. وكان البيتوشي رحمه الله يكتب ويؤلف باللغتين الكوردية والعربية فاجاد بهما واصاب وابلى بلاء حسناً فيهما.. وترك في مدن كوردستان رسائل واثاراً منظومة كان طلاب العلم يحفظونها عن ظهر قلب.. من تلاميذ البيتوشي العالم الناظم الشاعر مولانا معروف النودهي الكوردي من ابرزهم كان شيخ مشايخ الطريقة القادرية المنسوبة لسيدي القطب الرباني الشيخ  عبد القادر الكيلاني (قدس سره) اذ كان الشيخ النودهي قد التقى الشيخ البيتوشي في العام 1180 هـ فدرس عليه رسائل من مؤلفاته ما بين منظور ومنثور فتفتحت قريحته لانشاء النثر وانشاد النظم.. ثم التقى  به مرة اخرى سنة 1186هـ فازداد النودهي اكتساب الكثير من العلوم والاداب من استاذه البيتوشي اذ كانت اكثر كتبه نظماً ومن طلاب البيتوشي في الاحساء وانبغهم الشيخ عبد الله بن عثمان بن عبد الله  بن جامع المولود في مدينة الزبارة القطرية والمتوفى في البحرين الذي شد الرحال الى الاحساء لتلقي علوم الفقه والادب واصوله على يد الشيخ الشاعر البيتوشي .
*كانت للبيتوشي مجموعة كبيرة من الشعر والاحاجي والالغاز وهو المشهود بها فضلا عن مؤلفاته الكثيرة الاخرى بسعة علمه وشعره .. وعرف عنه برسائله: (اداب الرسائل) فضلا عن نظمه في مثلثات الافعال.. ومن مؤلفاته المطبوعة وغير المطبوعة:
 -كتاب السكافي
 -كتاب الوافي بحل الكافي
=تحف الخلاف الاشحاذ الاذهان
=حديثة السرائر في نظم الكبائر 
=طريقة البصائر الى حديثة السرائر 
= المكفرات 
=المبشرات
= كناية المعاني
= الحفاية بتوضيح الكفاية
=صرف العناية يكشف الكناية 
= حاشيته المدونة على شرح الفاكهي 
= حاشيته المدونة على كتاب البهجة المرضية في شرح الالفية 
= بيان الافعال التي استوى فيها اللزوم والتعدي
 -كتاب منظومة في بيان الافعال التي اتت واوية ويائية وله شرح فيها.
 == منظومة في مثلثات الاسماء والافعال وله شرح فيها. 
= الموائد المبسوطة في الفوائد الملفوظة.. وغيرها من مؤلفات اخرى
 *هكذا عاش شيخنا الجليل العلامة البيتوشي الكوردي رحمه الله الذي كرس حياته بالتدريس والعلم والتقوى.. فاكثر المصادر تؤكد ان وفاته كانت بين الاعوام (1211هـ او 1221هـ) ودفن في مدينة الاحساء السعودية حسب ما ذكرت اكثر المصادر وحسب ما ذكره تلميذ الشيخ عثمان بن سند البصري في سبائك المسجد.. واخر كتاب صدر عن العلامة البيتوشي هو كتاب (كفاية المعاني في حروف المعاني) شرح (شفيع برهاني) وصدر عن دار لنشر اقرأ.. ويحتوي الكتاب على (350) صفحة من الحجم المتوسط وطبع سنة (2005م)..
 هوامش
 للمزيد عن حياة البيتوشي الاطلاع على المصادر الآتية:
 -كتاب البيتوشي للعلامة القاضي محمد الخال.
 -كتاب الاعلام لخير الدين الزركلي.
 -كتاب لمحات من الشعر والادب ورسائله للعلامة السيد عبد الله الحيدري شيخ الاسلام. 
-معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين.
 -مؤلفات المؤرخ العراقي المحامي عباس العزاوي.. وغيرها من مؤلفات اخرى.
الشيخ عبد الله الملا احمد البيتوشي.. أديب كردي أغنى الأدب العربي
مهدي حمودي الانصاري


مِن مشاهير أدباء وأفاضل الكرد البارزين الذين اثروا الادب والثقافة العربية الشيخ عبدالله الملا احمد البيتوشي، المولود في قرية بيتوش..
أثرى هذا العلامة المكتبة العربية بالتآليف النفيسة والمقروءة، وتعشّق لغة الضاد المجيدة،واغنى الادب العربي الخالد الماجد نثرا وشعرا ذاعت شهرته في الافاق.
ترجم حياته العلامة الشيخ محمد الخال ، في كتابة القيم النفيس (البيتوشي).
وجاءت ترجمته ايضا في مجاميع ادبية منها كتاب "كنز الاديب" ولمحات من شعره وادب رسائله للعلامة الشيخ صبغة الله الحيدري .. الخ..
وللعلامة البيتوشي مجموعة من شعر المعمى والاحاجي والالغاز، وهذا لون لشعراء وادباء، امثال صفي الدين الحلي، وابن عنين الانصاري، وابن الساعاتي، والسيوطي، وآخرين. وكان هؤلاء الشعراء يصوغون ألغازهم واحاجيهم هذه بما لا يفهم معناه لأول مره، بغية قدح زناد الفكر.
وكان الراحل البيتوشي قد نظم مقاطع منظومة في مثلثات الافعال والاسماء، ومن قصائد في المعمى الملغز ومنها بعض ما جاء في الشيخ احمد الانصاري:
يا سيدي زاد اكتسابي في الهوى
كربي علا من زفرتي وعويلي
ونظم ابياتا عصماء في بيتوش القرية التى ولد فيها، والواقعة على الزاب الصغير شمال السليمانية:
ألا حيّ بيتوشا وأكنافها
يكاد يروي الصاديات سرابها
وقد عرف العلامة الشيخ عبدالله البيتوشي برشاقة الاسلوب وحسن الديباجة في الكثير من مؤلفاته وكتاباته النيرة.
ومما جاء فيها قوله:
((واني في اثناء لم آل في اقتناء علم الادب وتتبع خفايا كلام العرب فقطفت من تلك الفنون الشجراء والمرداء، وطويت منها الامل والبيداء، ولم اترك منها موردا إلا وخرجت عليه، ولا طلا  إلا وحثثت ركابي اليه.. من الغزل والتشبيب ما تغنى به الغواني في سهواتها، ومن الوعظ ما ترفض منه ما في العباد في خلواتها، ومن رقيق المديح ما تندى له صفات الشحيح، ومن الهزل ما يتطرب له...)الخ..
وجاء في تاريخ الادب العربي في العراق للمؤرخ المجمعي العزاوي عن البيتوشي ما يأتي (( حائز من الادب النظم والنثر، وانه اديب كامل، وكان مكينا في اللغة فائقا في مطالبها، ويعد من مفاخر العراق، وان قال انه لا يعد من رصافة بغداد، ولا من كرخها،وقال الطبع كردي وهذا عربي فذلك من التفنن في البيان وإلفات الأذهان الى معان جديدة، ونبغ في الادب نبوغا قائلا. وأتقن العلوم ومؤلفاته تشهد بسعة علمه وشعره)..
كما عرف برسائله وأدب الرسائل  في علو النثر، وتدل على عناية وقدرة ، ولعل العلاقة ظاهرة في الادب، وكأنه اراد ان يستكمل العدد، فلم يقصر في امر.
 والبيتوشي اديب كامل في نظمة ونثره وعالم فاضل في تحقيقة. اصله من بيتوش، وهو ابو محمد بن عبدالله محمد البيتوشي ، استوطن الاحساء ولم تنقطع صلته بالعراق.
رحم الله العلامة الشيخ عبدالله البيتوشي الاديب الكردي الذي اغنى الادب العربي.




كل هذة المعلومات نقلت عن نيت

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الوحدةُ الاولى

الدرس 1