محمد بن توفيق بن رشيد بن فرهاد اغا،

هو محمد بن توفيق بن رشيد بن فرهاد اغا، (وردي) لقبه او تخلصه الشعري.

يعتبر محمد توفيق وردي احد الادباء والكتاب المعروفين في الاوساط الثقافية والادبية الكوردية والعربية منذ الاربعينيات والى اواخر ايام حياته، فقد حرص لفترة تزيد على ربع قرن على جمع نوادر الادب الشعبي الكوردي وانهمك طوال حياته الادبية بجمع صفحات التراث المجهولة والمفقودة، وكان يتميز بحماس كبير وهمة مميزة في ترجمة العديد من الملاحم الغرامية وقصص الادب الشعبي الكوردي الى اللغة العربية وقام بنشرها في الصحف والمجلات العراقية كلما استطاع الى ذلك سبيلا، ونشر قسماً منها على شكل كراريس وكتب مستقلة، وكان في ذلك مثالا متسما بالتواضع وملتزما بخط تقدمي واضح يكافح من اجل ايجاد المجالات الممكنة لترسيخ التعارف الضروري بين ابناء وطنه ويجد في ترجمة صفحات مشرقة من الادب الكوردي الى لغة الضاد خير وسيلة لتوطيد اواصر المحبة والاخوة بين ابناء الوطن المشترك بين العرب والكورد.

كان الوردي معلماً متواضع الراتب ومفصولاً من الخدمة لعدة مرات وهو خريج دار المعلمين الابتدائية في بغداد سنة 1944 وكان اول تعيينه في مدرسة طق طق الابتدائية لم يتوان يوما عن السير في هذا الدرب بالرغم من عدم تلقيه أي تقدير او تثمين لجهوده الا فيما ندر ولكنه لم تفتر همته وكان ذلك كاكثر ادباء وشعراء العراق انذاك، ليس من دافع يحرضه على الكتابة سوى حبه لشعبه، فقد كان ينظر اليه والى جهوده الثقافية احياناً نظرة استخفاف خالية من العدالة والتقدير، فالاكثرية في تلك الفترة كانوا منشغلين عن الادب وقضايا الثقافة والفن الا عدداً قليلاً، وكان وردي مهتماً بايصال افكاره الى اوسع عدد ممكن من الناس البسطاء من المراتب والشرائح ذات المستوى المعاشي المتدني، ولهذا فان لغته في شعره ونثره واغلب نتاجاته الاخرى تتميز بالبساطة في التعبير، وكان في كل جهوده مهتما بجعل نتاجاته في متناول الجمهور وكان في الوقت نفسه صحفيا مجهول الهوية والمكانة ويرجع ذلك ايضا الى بساطة موضوعاته وطروحاته الفكرية وعدم تركيزه على نتاج ادبي معين.

كان المرحوم وردي احد الرواد الذين كانوا يرابطون بثبات وهمة في محل خياطة المرحوم بشير مشير في شارع رشيد مقابل جامع الحيدرخانة، والقليلون هم الذين لايعرفون من هو الراحل بشير مشير فاسمه بين اوساط المثقفين اشهر من نار على علم، وكان وردي يخدم هذا الشيخ ويساعده باخلاص بالرغم من خروج هذا الشيخ الظريف احيانا عن طوره ويصبح وردي ضحية امام غضبه.

كان وردي انساناً بسيطا صادقا وصريحا يملك قلب طفل ومشاعر مراهق شاب وهو صاحب قيم يؤمن بها وفي فترات كثيرة من ايام كفاحه ونضاله في الخمسينيات كان يضطر الى ترك عائلته لمدد طويلة طالبا من اصدقائه ومعارفه رعاية شؤونهم وكان على صلة وثيقة ومتينة بهؤلاء ولم يكن يشك يوما فيهم، وكانت نتيجة ذلك ضريبة دفعها هو من كده والامه وتسبب في انفصاله عن شريكة حياته الاولى، وقد سببت له هذه الواقعة المأساوية على الصعيد الشخصي صدمة عنيفة وخيبة امل عانى منها الى اواخر ايامه.

اما النقطة المضيئة بالنسبة الى توفيق وردي فهي تكمن في جهوده المكثفة والقيمة في جمع التراث الشعبي وخدمة الموروث الادبي ونشره واعتماده في ذلك على جهود نظرية ومسوحات ميدانية لاتخلو من الكد والتعب والاجهاد والتضحية بعرق جبينه وماله، اذ ان اكثر نتاجاته مطبوعة على حسابه الخاص فجهوده في نشر الملاحم والقصص الشعبية امثال (ملحمة دمدم) و(سيامند وخجي) و(مه مى ئالان) و(حسن ومريم) و(خاتى خانم) و(خازى ونازى) و(كريم وستى) معروفة في الاساطير الادبية، وفي سنة (1946) نشر وردي في (مجلة كه لاويز) مجموعة من القصائد المجهولة للشاعر الحاج قادر الكويى مع تحقيق ومقدمة من النثر العاطفي الجميل، فتعتبر هذه المقالة ضمن نتاجاته الجيدة وبالرغم من كل المآخذ والسلبيات التي تظهر في بعض نتاجاته، يبقى (محمد توفيق وردي) كاتبا واديبا وشاعرا عصاميا ومكافحا وفياً لشعبه وذا نفس طويل لم ينقطع الى اواخر حياته، فخدم الادب في العراق باخلاص واسهم بما كان في مقدوره في ترسيخ اواصر المودة والاخاء والتعاون الصميمي بين ابناء وطنه.

(هذا ماورد في كتابة الدكتور احسان فؤاد)، ومما يجدر ذكره ان محمد توفيق وردي قد التحق اواخر عام 1945 بجمهورية مهاباد وعين معلماً في احدى مدارس مهاباد وقابل الزعيم قاضي محمد وبعد سقوط جمهورية مهاباد في 1946 عاد الى العراق فاوقف وحكم عليه باعتباره يساري النزعة.

اتذكر عند وفاة وردي حضرت انا كاتب هذه الكلمات مع بعض الزملاء مسكنه وكانت شقة متواضعة في شارع النضال وهي خالية تقريبا من الاثاث المنزلي الاّ اريكتين مكسورتين وهذا يدل على نزاهته وزهده واستقامته وعدم تهالكه في سبيل المال.

(المصدر: جريدة العراق ليوم 23/2/1983 في ذكرى رحيل الكاتب محمد توفيق وردي بقلم الدكتور احسان فؤاد- ومصادر اخرى).
منقول

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشيخ عبدالله البيتوشي

الدرس 1

الوحدةُ الاولى