من البلاغة القرآنية (وقفة عند آيتين من كتاب الله
قال تعالى: ( تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر) القمر، وقال : (فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ) الحاقة ، التشبيه مرسل مجمل إذ ذكرت فيه الأداة وحذف وجه الشبه.
في الآيتين تصوير لمصارع عاد قوم هود إذ أهلكوا بريح صرر ، وننظر في التشبيهين ونتأمل القيدين ( منقعر ) و(خاوية) فنجد انسجام كل قيد في سياقه الذي ورد فيه .
نلحظ في سورة القمر قوله مُّنقَعِرٍ فذّكر النخل ، وقال في الحاقة كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة ٍ فأنثها ، قال المفسرون : في تلك السورة كانت أواخر الآيات تقتضي ذلك لقوله (مُّسْتَمِرٌّ)،وهو جواب حسن فإن الكلام كما يزين بحسن المعنى يزين بحسن اللفظ لتوافق الفاصلة..
ففي الحاقة (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة ٍ) إشارة إلى حالة بعد الانقعار الذي هو بعد النزع وهذا يفيد أن الحكاية ههنا مختصرة إذ لم يشر إلى صرعهم وخلو منازلهم عنهم بالكلية، وأن القوم في تشبيه سورة الحاقة بليت أجسامهم وتآكلت ، وهذا يتلاءم مع تسخير الريح عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام حسوماً، وينسجم مع الأوصاف المذكورة في السورة الكريمة( الحاقة..القارعة...الطاغية.. العاتية.. الأخذة الرابية..) هذا التجاوز في الصفات يلائم الأبعاد في الإهلاك فقد صاروا ( كأنهم أعجاز نخل خاوية) أما تشبيه سورة القمر فليس فيه هذا الإبعاد ، لأن الريح أرسلت عليهم ولم تسخر زمناً – كما في الحاقة- فكان الاكتفاء باقتلاع النخل وإسقاطه على الأرض تصويراً لإهلاكهم وتمثيلاً لصرعاهم إذ صاروا ( كأنهم أعجاز نخل منقعر) فقد شبهوا في طول قاماتهم حين صرعتهم الريح. وطرحتهم على وجوههم بالنخل الساقط على الأرض التي ليست لها رؤوس.
والآية تومئ إلى أن الريح كانت تقتلع رؤوسهم، فتصبح الأجسام من غير رؤوس ولا هامات، وتشير أيضًا إلى عظمة أجسادهم وطول قاماتهم، وإلى محاولتهم الثبات في الأرض والتشبث بها لمقاومة الريح، كما تشير أيضًا إلى يبسهم وجفافهم بالريح التي كانت تقتلهم ببردها المفرط، فتجعلهم كأنهم أخشاب يابسة.
تعليقات
إرسال تعليق